موسى بن ميمون» اليهودى- المسلم
حين وضع المفكر اليهودى المصرى «إسرائيل ولفنسون» كتابه الشهير: «موسى بن ميمون حياته ومصنفاته» عام ١٩٣٦م، كتب الشيخ مصطفى عبدالرازق مقدمة الكتاب، فقال فيها: «إن موسى بن ميمون يعدُّ من الفلاسفة المسلمين»، ثم ذكر العديد من الأدلة المؤيدة لذلك.
لم يكن الشيخ عبد الرازق يزايد على الفقيه اليهودى، فالعلامة موسى بن ميمون المولود فى مارس ١١٣٥م، تأثر بالعقيدة الإسلامية، واستخدم كتابات المعتزلة، وعلم الكلام، وفلسفة ابن رشد فى تصحيح مسار العقيدة اليهودية، وتنقيتها من أفكار وثنية شوهتها على مدى عصور.
مما دفع الحاخامات لترديد جملتهم الشهيرة: «بين موسى وموسى، لم يظهر موسى». ويقصدون أن نبى الله موسى أتى بالتوحيد، ثم حرف الحاخامات كلماته، إلى أن ظهر الفقيه موسى بن ميمون فى العصر الوسيط، واستعان بالعلوم الشرعية الإسلامية ليعيد الديانة اليهودية إلى المسار التوحيدى الذى رسمه لها نبى الله موسى!
فقد وُلد ابن ميمون فى قرطبة فى القرن الـ١٢ الميلادى، ومن هناك انتقلت عائلته إلى مدينة فاس المغربية سنة ١١٥٩، حيث درس بجامعة القرويين، ثم انتقلوا لفلسطين عام ١١٦٥، واستقروا فى مصر آخر الأمر.
وتلقَّى ابن ميمون العلم على يد ثلاثةٍ من علماء مسلمين، ابن الأفلح، وابن الصائغ، وابن رشد، حين عكف- كما يذكر ابن ميمون- على دراسة مؤلفات ابن رشد طيلة ١٣ سنة. ويظهر هذا التأثر بأفكار فلاسفة الإسلام، بوضوح، فى كتاب «دلالة الحائرين»، أحد أهم كُتب ابن ميمون، ويصعب التفريق بين ما كتبه الحاخام موسى بن ميمون، وما يكتبه أى رجل دين مسلم دارس للثقافة الإسلامية.
والمثير أن ابن ميمون، كما يقول د. يوسف زيدان، حتى فى مناقشاته لنصوص التوراة، ينطلق عن فكرٍ وثقافةٍ إسلامية، وعندما ينتقد علماء الكلام المسلمين يكون نقدُه لهم بأسلوبٍ خالٍ من الشدة، وعندما ينتقد الحاخامات اليهود، يهاجمهم بضراوة، رغبة فى إعادة اليهودية لمسار التوحيد بالله. وقد توفى ابن ميمون سنة ١٢٠٤م وهو فى السبعين من عمره، تاركا وراءه كتبا فى الفقه اليهودى ورسائل فى الطب والفلسفة.